من يُعزِّي الخيول
رأيتُ الدمعَ مُنهمراً كسيلٍ
فقلتُ علامَ الخيلُ تبكي في إِباءْ؟!
أَمِنْ عَطَشٍ ومَخمَصةٍ تُعاني
أم أصابَ جِيادَنا ألمٌ وداءْ؟
أو رُبما الِمضْمارُ قاسٍ لا يُطاوِعْ
يُدْمي حوافِرَ خيلِنا فيشتدُّ البَلاءْ
لكنَّ العُشبَ أنضرَ ما رأيتُ وماءَ شُربٍ
كأنَّ من الفُراتِ والنيلِ جاءْ
والخيلُ لا تشكو من الأَسقامِ شيئاً
فمن حولي أطباءٌ و أطنانُ الدواءْ
وهناكَ رملٌ ناعمٌ ورذاذُ غَيثٍ
يكسو المسارَ كما الحريرِ على الغِطاءْ
و أرتالٌ من الآلاتِ قبلَ العدوِ هبَّتْ
تُمهِّدُهُ وتهُبُّ ثانيةً بعد انتهاء
لذا عجِبتُ لأمرِ الخيلِ هذي
مُترفةٌ وتبكي لِعُمري ما سِرُّ البُكاءْ؟
قالت: لا تَعجَبْ لدمعٍ مُنهمِرٍ لخيلٍ
فالقهرُ لازمها قُروناً وانكفاء
فكم أبلَتْ جِيادٌ خاضتْ معاركَ نيِّراتٍ
وتَشرَّفتْ صَهَواتُها بكوكَبةِ الفِداءْ
زيدٌ وسلمانٌ وعمروٌ وخالدٌ
ومثلُهُمْ نفرٌ من العُتَقاءْ
فهل بعد أن سُدنَ الفُتوحَ مهابةً
تعودُ تركُضُ في السِباقِ كما الظِباءْ؟!
ليُصفِّق اللاهونَ بعدَ الركضِ فَرَحاًً
لأَوَّلِها الذي بالحظِّ جاءْ
أو مارسَ (الجُوكِيُ) وقتَ الجريِ خُبثاً
(فالفارسُ الصِنديدُ) مَوفورُ الدَهاءْ!
أو ربما حاكَ المُقامِرُ العِربيدُ أمراً
ليربحَ المالَ الوفيرَ بلا عَناءْ
لماذا إذاً نقطعُ الأنفاسَ جرياً
والحالُ في المِضْمارِ يدعو للرِثاءْ؟
أين الفُروسيِّةُ التي دانتْ لها الدنيا
هل أضحت مُقامَرةً وعرضَ ثراءْ؟!
وأين الفوارسُ لا نرى لهم أثَراً
فعلى صهواتِها فِرِنجةٌ خُلَصاءْ؟
جَوابُ الخيلِ حيَّرَني وزادَ شكِّي
فسحبتُ لُجامَ ذاكرتي ركضتُ إلى الوراءْ
وجدتُ القومَ مُذْ عافوا الفُتوحَ تنافسوا
بَنَوا قصوراً للجيادِ مكيَّفةَ الهواء!
وقالوا سلِمتُمْ أيَّها الخيلُ الأصيلُ رفعتمو
من شأن أمَّتـِنا فحَقَّ عَطاءْ
فلينعم النسلُ الكريمُ بحَظْوَةٍ
عُشبٌ وفيرٌ وفي القصورِ هناءْ
الآنَ تعاظَمَ دورُكمْ .. أصبحَ حاسِماً
فالنصرُ رَهنُ الركضِ لا غَزوَ الفضاءْ!
أهزموا خيلَ الفِرِنجَةِ نَكِّلوا بجِيادِهمْ
أبذلوا الجهدَ المقدَّرَ أركضوا بسَخاءْ
كي تسمو حضارتُنا .. تعلو منارتُنا
لتُرشِدَ الإنسانَ إلى ذُرى العَلياءْ!
لم يُقنِع القولُ الرصينُ جِيادَنا
وَلْولَتْ زادتْ على البُكاءِ بُكاءْ
ولسانُ حالِ الخيلِ لم يفتأْ يُردِّد:
كيفَ السبيلُ لكسبِ معركة الفِداءْ؟
وسوادُ أُمَّتِنا يُراوِحُ لا يزال مكانَهُ
تحتَ خطِ الفقرِ في عصرِ الفضاءْ!
لو أن مالَ الرَكْضِ أُحسِِنَ صرفُهُ
لبنا مشاريعَ كُبرَى للإعاشةِ والنَماءْ
ونخافُ أن يفضي السباقُ إلى نِزاعٍ
فيطالَنا ما طالَ داحِسَ والغَبْراءْ!
فمنْ ذا يُعزِّي الخيلَ يمسح دمعَها
وهل يَطِيبُ لخيلٍ بعدَ مظلَمَةٍ عَزاءْ؟!
..............................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى رابط :