مقتلُ الضرغام
ما أروعَ الضرغامُ عن العرينِ يذودُ
وحين يخطو شامخا نحو حبلِ الِمشنَقةْ
لعُمري ما خَبِرتُ على البسيطةِ كائِناً
يُساقُ إلى الردَى وجبينُهُ كالمئذنةْ!
لكنَّه الضرغامُ قد شغلَ الأَنامَ مُصادِماً
و الآنَ يُذهِلهم أمامَ المِقصلةْ!
كمْ حارَ في أمرِهِ الجَلادُ حارَ خُصومُهُ
لما بدا كالصخرةِ الشمَّاءِ تأبى الزحزحةْ
أبى القناعَ ورنا إلى الفتى مستعجباً:
كيفَ الخمار أضَعْ فهذي مهزلةْ؟!
أزِحِ القناعً عن ناظرَيَّ فإنني
خُضتُ الحروبَ عظيمَها بعينٍ مُبصِرةْ
حتى ولو كانَ العدوُ هو المنيَّـة ذاتها
وقد شروا سيفي وجئتُ مُكبَّلاً للمعرِكةْ
أتظنُني قد خِفتُ حينَ شعرتُ بقُربِها
كلا بُني .. فلا يخشى المنيـَّةَ قَسْورةْ!
تلوتُ أذكاري ثمَّ ملأتُ إبريقي ونمْتْ
عقِبَ الصلاةِ سقيتُ أشجاري المُزهرةْ
ولمَّا الطيورُ خِماصُها نحوي أتت
أطعمتُها حبَّاً وباقي الأرغِفةْ
فمضت تُرفرِفُ في الفضاءِ بحسرةٍ
قالت تبسَّم فهي الشهادةُ مُقبِلةْ
ولما قِيل لي هلا خرجْتْ؟
لبستُ أجملَ ما لدي فهذي ملحمةْ!
و الآن أفعلْ ما أُمِرتَ ولا تخفْ
فهو الفداءُ لموطني وأنعِم بهِ من تضحيةْ
صُعِقَ الفتى الجلادُ وأخالُهُ قد إنبرى
للذاتِ يجلدُها بسَوطٍ مُحرِقةْ
عجباً .. هو صامدٌ لا يخشى الردى
وأنا كفأرٍ مرتعدْ متشبِّثٌ بالفانيةْ
هو أعزلٌ يأْبى القِناعَ مُصادِمٌ
وجهاً لوجهْ ريحَ المنيَّةْ الـمُهلِكةْ!
و أنا الذي سأوردُهُ المهالِكَ أنزوي
ومعي (كبارُ) القومِ خلفَ الأقنعةْ!
جاءوا ليشهَدوا الضرغامَ يندُبُ حظَّهُ
كي يشبَعوا ضَحِكاً من حالٍ مُزرِيةْ
كي يلعَنوه يُلقوا عليه صفوةَ حقدِهِمْ
بدلَ الدعاء لهُ .. أليستْ نفساً مُؤْمنةْ؟
كي يُشهِدوا الدنيا عليه أشعَثَ أغبرَ
يستعطفُ الجلادَ .. يجثو يطلبُ مغفِرةْ
ظنُّوه يبتدر الخصومَ توسلاً
خالوهُ يركعُ يُقسِمُ بالولاءِ لقيصرا!
كيما يعيشَ كما النعامِ مُحاذراً
يهويِ يَدُسُ الرأسَ عِندَ أوَّلِ مُعضِلةْ
لكنه للموتِ أقبلَ شامِخاً
لم يرتعشْ رغمَ الطُقوسِ الــمُرعِبةْ
وفي لحظةِ الرهْبِ العظيمِ تمسَّكتْ
شفتاهُ بالقولِ المُبينِ: ربَّاهُ منكِ المغفِرةْ
ذبحوهُ كَبشاً للتشفِّي يومَ عيدٍ
لكنَّهم غنِموا التظاهُرَ والإدانة المطلَقةْ
فالناسُ في كلِّ البِقاعِ تقزَّزتْ
من ذبحِ ضرغامٍ مُهيبٍ عبرَ التلفزة!
فإذا بقيصَرِهِم يَهُبُ مُعاتِباً
يصف الجماعةَ بالطفولةْ الـــمُضحِكةْ
وهو الذي رسمَ المُخطَّطَ كاملاً
كي يستعيدَ بريقاً زالَ عنهُ وهيمنةْ
وطغى السؤالُ: مَن الضحيَّة يا تُرى
ومَن كسِبَ البُطولةَ بالأخيرةْ المُحْكَمةْ؟
عجباً .. هو صامدٌ لا يخشى الردى
وأنا كفأرٍ مرتعدْ متشبِّثٌ بالفانيةْ
هو أعزلٌ يأْبى القِناعَ مُصادِمٌ
وجهاً لوجهْ ريحَ المنيَّةْ الـمُهلِكةْ!
و أنا الذي سأوردُهُ المهالكَ أنزوي
ومعي (كبارُ) القومِ خلفَ الأقنعةْ!
..............................
ـ نُشرت هذه القصيدة فى موقع دنيا الرأى رابط :